فصل: الاستثناء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الاستثناء‏:‏

الاستثناء‏:‏ إخراج بإلا أو إحدى أخواتها‏,‏ تحقيقا أو تقديرا‏.‏

‏"‏فالإخراج‏"‏ جنس و‏"‏بإلا أو إحدى أخواتها‏"‏ مخرج للتخصيص ونحوه‏,‏ والمراد بالمخرج ‏"‏تحقيقا‏"‏ المتصل، وبالمخرج ‏"‏تقديرا‏"‏ المنقطع، نحو‏:‏ ‏{‏مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ‏}‏ ‏,‏ فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا فهو ‏"‏في‏"‏ تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر بذكره لقيامه مقامه في كثير من المواضع‏.‏

قال ابن السراج‏:‏ إذا كان الاستثناء منقطعا‏,‏ فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل ‏"‏إلا‏"‏ قد دل على ما يستثنى ‏"‏بها‏"‏ فتأمل، فإنه يدق‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ما استثنت ‏"‏إلا‏"‏ مع تمام ينتصب‏"‏‏.‏

يجوز أن تكون ‏"‏ما‏"‏ موصولة وينتصب خبرها فهو مرفوع، وأن تكون شرطية وينتصب جوابها فهو مجزوم‏.‏

والمراد بالتمام أن يكون المخرج منه مذكورا، ويقابله التفريغ‏.‏

يعني‏:‏ أن المستثنى ‏"‏بإلا‏"‏ في غير التفريغ ينتصب متصلا كان‏,‏ أو منقطعا بعد موجب أو غيره‏.‏ إلا أن نصبه على ثلاثة أقسام‏:‏ واجب وجائز، وراجح ‏"‏وجائز مرجوح‏"‏‏.‏

فالواجب النصب هو المستثنى بعد إيجاب متصلا أو منقطعا‏,‏ مؤخرا ‏"‏كان‏"‏ أو مقدما نحو‏:‏ ‏"‏قام القوم إلا زيدا‏"‏ و‏"‏خرج القوم إلا بعيرا‏"‏ و‏"‏قام إلا زيدا القوم‏"‏‏.‏

والمرجوح النصب هو المتصل بعد نفي أو شبه نفي، والمراد به النهي والاستفهام المؤول بالنفي‏.‏

فمثال النفي‏:‏ ‏{‏مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ ‏,‏ ومثال النهي‏:‏ ‏"‏لا يقوم إلا زيد‏"‏‏,‏ ومثال الاستفهام‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏}‏‏.‏

وأكثر ما يكون ذلك في ‏"‏هل‏"‏ و‏"‏من‏"‏‏.‏

فجميع ذلك يترجح فيه اتباعه للمستثنى منه في رفعه ونصبه وجره بدلا عند البصريين‏,‏ وعطفا عند الكوفيين‏,‏ وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

وبعد نفي أو كنفي انتُخب‏.‏‏.‏‏.‏ إِتْباع ما اتصل‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

والراجح النصب‏:‏ هو المنقطع بعد نفي أو كنفي إن صح إغناؤه عن المستثنى منه‏.‏ فإن بني تميم يجيزون فيه النصب ‏"‏والإتباع‏"‏ ويقرءون‏:‏ ‏"‏إلا اتباعُ الظن‏"‏‏,‏ وذكر بعض النحويين أن نصبه ‏"‏عندهم أرجح‏"‏‏.‏

وأما الحجازيون فالنصب عندهم واجب‏,‏ فإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه تعين نصبه عند الجميع، وهو كل استثناء منقطع لا يجوز فيه تفريغ ما قبل ‏"‏إلا‏"‏ للاسم الواقع بعدها نحو‏:‏ ‏"‏ما زاد إلا ما نقص‏,‏ وما نفع إلا ما ضر‏"‏‏.‏

وجعل المصنف منه‏:‏ ‏{‏لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ‏}‏ ‏,‏ وإلى هذا القسم الثالث أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏ وانصب ما انقطع‏.‏‏.‏‏.‏ وعن تميم فيه إبدال وقع

ولكنه أطلق فلم يفصل بين ما يصح إغناؤه، وما لا يصح‏.‏ ثم قال‏:‏

وغير نصب سابق في النفي قد‏.‏‏.‏‏.‏ يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد

يعني‏:‏ أن المستثنى ‏"‏المتقدم‏"‏ على المستثنى منه بعد نفي‏,‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما وهو المختار‏:‏ نصبه على الاستثناء‏.‏

والثاني‏:‏ أن يفرغ العامل له‏,‏ ويجعل المستثنى منه بدلا‏.‏

قال سيبويه‏:‏ حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون‏:‏ ما لي إلا أبوك ناصر، فيجعلون ناصرا بدلا‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وهذا قليل؛ ولذلك قال‏:‏ ‏"‏قد يأتي‏"‏‏.‏

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏في النفي‏"‏ من أن يكون المقدم في الإيجاب، فإنه واجب النصب كما سبق‏.‏

ولما فرغ من بيان التام‏,‏ شرع في المفرد فقال‏:‏

وإن يُفَرَّغ سابق ‏"‏إلا‏"‏ لِمَا‏.‏‏.‏‏.‏ بعدُ يكن كما لو ‏"‏الا‏"‏ عُدِما

أي‏:‏ وإن يفرغ ما سبق ‏"‏إلا‏"‏ لما بعدها‏,‏ فحكمه حكم ما لم توجد إلا معه نحو‏:‏ ‏"‏ما قام إلا زيد‏"‏‏,‏ فقام مفرغ لما بعد ‏"‏إلا‏"‏‏,‏ أعني زيدا فهو فاعل به كما لو عدمت ‏"‏إلا‏"‏‏,‏ وقيل‏:‏ ‏"‏ما قام زيد‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏سابق‏"‏ أولى من قوله في التسهيل العامل؛ لأن السابق قد يكون عاملا كما مثّلنا به، وقد يكون غير عامل نحو‏:‏ ‏"‏ما في الدار إلا زيد‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ على ماذا يعود الضمير في يكن‏؟‏

قلت‏:‏ يحتمل أن ‏"‏يعود‏"‏ على السابق‏,‏ أي‏:‏ يكن السابق في طلبه لما بعد ‏"‏إلا‏"‏ كما لو عدم ‏"‏إلا‏"‏‏,‏ وأن يعود على ‏"‏ما‏"‏ من قوله‏:‏ ‏"‏ما بعدُ‏"‏ أي‏:‏ يكن ما بعد ‏"‏إلا‏"‏ في تسلط ما قبل ‏"‏إلا‏"‏ عليه‏,‏ كما لو عدم ‏"‏إلا‏"‏‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ لا يكون التفريغ إلا بعد نفي‏,‏ أو شَبَهه‏.‏

الثاني‏:‏ يصح التفريغ ‏"‏لجميع‏"‏ المعمولات إلا المصدر المؤكد‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا‏}‏ فمتأول‏.‏

ولما كانت ‏"‏إلا‏"‏ قد تكرر لتوكيد ولغير توكيد‏,‏ نبه على ذلك فقال‏:‏

وأَلْغِ إلا ذات توكيد‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وهي التي يصح طرحها، والاستغناء عنها؛ لكون ما بعدها تابعا لما بعد الأولى‏.‏

فإن صح إغناء الثاني عنه جعل بدلا، وإن لم يصح عطف بالواو‏.‏

فالأول نحو‏:‏ لا تمرُر بهم إلا الفتى إلا العلا

فإن العلا هو الفتي‏.‏

والثاني نحو‏:‏ ‏"‏لا تمرر بهم إلا زيدا، وإلا عمرا‏"‏ وقد اجتمعا في قوله‏:‏

ما لَكَ من شيخك إلا عملُه‏.‏‏.‏‏.‏ إلا رسيمُهُ وإلا رملُه

فإن قلت‏:‏ ما المراد بإلغائها‏؟‏

قلت‏:‏ جعلها ‏"‏كأنها‏"‏ لم تذكر‏,‏ فلا تؤثر في لفظ ولا معنى غير التوكيد‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وإن تُكَرَّر لا لتوكيد

يعني‏:‏ لقصد استثناء، وحينئذ لا يخلو ذلك من أن يكون مع تفريغ ما قبل ‏"‏إلا‏"‏ من العوامل‏,‏ أو مع تمامه‏.‏

فهاتان حالتان‏,‏ أشار إلى الأولى بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فمع‏.‏‏.‏‏.‏ تفريغ التأثيرَ بالعامل دع

في واحد مما بإلا استُثني‏.‏‏.‏‏.‏ وليس عن نصب سواه مغني

المراد بالعامل ‏"‏إلا‏"‏‏,‏ وبالتأثير النصب على الاستثناء‏.‏

فكأنه قال‏:‏ دع النصب على الاستثناء ‏"‏بإلا‏"‏ في واحد من المستثنيين أو المستثنيات‏.‏

‏"‏وليس عن نصب سواه مغني‏"‏ أي‏:‏ سوى ذلك الواحد‏.‏

والحاصل‏:‏ أن إلا إذا ‏"‏كررت‏"‏ لغير التوكيد وما قبلها من العوامل مفرقًا‏,‏ شغل بواحد ونصب ما عداه على الاستثناء نحو‏:‏ ‏"‏ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا خالدًا‏"‏‏.‏

‏"‏وقد‏"‏ فهم من عبارته فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أن الناصب للمستثنى هو ‏"‏إلا‏"‏ لقوله بالعامل، ونسبه في التسهيل إلى سيبويه والمبرد‏,‏ وزاد في ‏"‏شرحه‏"‏ الجُرجاني، والخلاف في ذلك شهير‏.‏

الثانية‏:‏ أن الاسم الذي ‏"‏يشغل‏"‏ به العامل المفرغ، لا يلزم كونه الأول، بل يجوز أن يكون المتوسط والآخر؛ لقوله‏:‏ ‏"‏في واحد‏"‏ إلا أن شغله بالأقرب أولى‏.‏

الثالثة‏:‏ أن نصب ما سواه واجب؛ لقوله‏:‏ ‏"‏وليس عن نصب سواه مغني‏"‏‏,‏ ‏"‏فهو‏"‏ أنص من قوله في التسهيل‏:‏ ونُصب ما سواه‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

فإن قلت‏:‏ عبارته غير وافية بالمقصود من ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنه أمر بترك التأثير ‏"‏بإلا‏"‏ في واحد‏,‏ فعلم أنه لا ينصب على الاستثناء، ولم يعلم ما ‏"‏يفعل‏"‏ به‏.‏

والثاني‏:‏ أن الحكم ‏"‏الذي‏"‏ ذكره إنما يكون إذا لم يكن استثناء كل واحد من متلوه‏,‏ فإن أمكن جعل ‏"‏كل‏"‏ واحد مخرجا مما قبله نحو‏:‏ ‏"‏ما قام إلا أخوتك إلا زيدًا‏"‏‏.‏

والثالث‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏"‏وليس عن نصب سواه مغني‏"‏‏.‏

ليس كذلك‏,‏ بل إذا رفع الأول جاز رفع ما بعده إذا قصد ‏"‏به‏"‏ بدل البداء‏.‏ قلت‏:‏ الجواب عن الأول‏:‏ أنه قد علم أن العامل المفرغ ‏"‏يشتغل‏"‏ به من قوله‏:‏ ‏"‏بعدُ يكن كما ‏"‏لو‏"‏ الا ‏"‏عُدما‏"‏‏"‏‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن كلام ‏"‏المصنف‏"‏ في تكرار إلا مع اتحاد المستثنى منه‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أنه جعل ‏"‏بدل بداء‏"‏ كانت إلا للتوكيد فليس من هذا القسم‏,‏ بل هو مندرج في قوله‏:‏ ‏"‏وألغِ إلا ذات توكيد‏"‏‏.‏

ثم أشار إلى الثانية بقوله‏:‏

ودون تفريغ مع التقدم‏.‏‏.‏‏.‏ نصب الجميع احكم به والتزم

مثال ذلك‏:‏ ‏"‏ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا القومُ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وانصب لتأخير وجِئْ بواحد‏.‏‏.‏‏.‏ منها كما لو كان دون زائد

يعني أن العامل إذا لم يكن مفرغا وتأخر ما استثني عن المستثنى منه نصب الجميع إلا واحدا منها‏,‏ فله معها ما له منفردا نحو‏:‏ ‏"‏ما قام أحدٌ إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا‏"‏‏.‏

ويجوز رفع واحد منها على البدل؛ لأنه بعد نفي، وهو راجح‏.‏

فإن قلت‏:‏ ‏"‏فهل‏"‏ يجوز رفع الجميع على الإبدال‏؟‏

قلت‏:‏ قد أجاز ذلك الأبدي‏.‏

وظاهر كلام المصنف أنه لا يبدل منها إلا واحد‏.‏ ثم مثّل ذلك بقوله‏:‏

كلم يَفُوا إلا امرؤ إلا علي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فيجوز رفع ‏"‏امرؤ‏"‏ على البدل ونصبه على الاستثناء كما لو انفرد، ‏"‏ونصب‏"‏ ‏"‏عليَّ‏"‏ ولكنه وقف على لغة ربيعة ‏"‏فحذف‏"‏ تنوين المنصوب، والأصل‏:‏ إلا عليا‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وحكمها في القصد حكم الأول

يعني في الدخول إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان موجبا‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا كُررت ‏"‏إلا‏"‏ لغير توكيد فتارة يمتنع استثناء كل واحد من متلوه، وتارة ‏"‏لا يمتنع‏"‏، ولم يتكلم المصنف على الثاني لوضوحه، وقد بينه في الكافية والتسهيل‏.‏

ولما فرغ من حكم المستثنى ‏"‏بإلا‏"‏‏,‏ شرع يذكر سائر أدوات الاستثناء، فقال‏:‏

واستثْنِ مجرورا بغير مُعْرَبا‏.‏‏.‏‏.‏ بما لمستثنى بإلا نُسبا

أصل ‏"‏غير‏"‏ أن تكون صفة دالة على مخالفة موصوفها لحقيقة ما أضيفت إليه‏.‏

وقد تضمن معنى ‏"‏إلا‏"‏ فيستثنى بها ولم يكن ‏"‏به‏"‏ بد من جر ما استثنته

بالإضافة، وأعربت هي بما يستحقه المستثنى ‏"‏بإلا‏"‏ من نصب واجب نحو‏:‏ ‏"‏قام القومُ غير زيد‏"‏‏,‏ أو راجح نحو‏:‏ ‏"‏ما لزيد علم غير ظن‏"‏‏,‏ أو مرجوح نحو‏:‏ ‏"‏ما قام أحدٌ غير زيد‏"‏‏,‏ ومن تأثر بعامل مفرغ نحو‏:‏ ‏"‏ما قام غيرُ زيد‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد تقدم أن ‏"‏إلا‏"‏ هي ناصب المستثنى عند المصنف‏,‏ فما ناصب غير‏؟‏

قلت‏:‏ ناصبها العام الذي قبلها على الحال‏,‏ وفيها معنى الاستثناء‏.‏

هذا اختيار المصنف‏.‏ قال في شرح التسهيل‏:‏ وهو الظاهر من قول سيبويه، وإليه ذهب الفارسي في التذكرة‏.‏

والمشهور أن انتصابها على حد انتصاب ما بعد ‏"‏إلا‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ مُعْربا‏,‏ بما لمستثنى بإلا نُسبا‏.‏

اتحاد جهة النصب‏,‏ فيكون خلاف ما ذكره في شرح التسهيل‏.‏

قلت‏:‏ المفهوم من عبارته أن ‏"‏غيرا‏"‏ تعرب بالإعراب المنصوب للمستثنى ‏"‏بإلا‏"‏ من نصب أو غيره كما سبق، وليس في ذلك ما يدل على اتحاد جهة النصب‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قد تحمل ‏"‏إلا‏"‏ على ‏"‏غير‏"‏ فيُوصَف بها، وما بعدها ‏"‏مغاير ما قبلها‏"‏‏,‏ كما حملت ‏"‏غير‏"‏ على ‏"‏إلا‏"‏‏,‏ فاستثني بها‏.‏

وللموصوف بإلا شرطان‏:‏ أن يكون جمعا أو شبهه، وأن ‏"‏يكون‏"‏ نكرة أو معرفا بأل الجنسية، فلا يوصف بها مفرد محض ولا معرفة محضة‏.‏ وتفارق ‏"‏غيرا‏"‏ من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن موصوفها لا يحذف وتقام مقامه، فلا يقال‏:‏ ‏"‏جاءني إلا زيدٌ‏"‏ بخلاف ‏"‏غير‏"‏‏.‏

والآخر‏:‏ أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء متصلا‏,‏ أو منقطعا‏.‏

فلا ‏"‏يجوز‏"‏‏:‏ ‏"‏عندي درهم إلا جيد‏"‏؛ لأنه لا يصح فيه الاستثناء بخلاف ‏"‏غير‏"‏‏.‏

قال في البسيط‏:‏ وهل يجوز فيه الحال‏,‏ كما جاز في ‏"‏غير‏"‏‏؟‏

فيه نظر‏,‏ وأجازه ابن السيد‏.‏

الثاني‏:‏ يجوز في المعطوف على المستثنى بغير اعتبار اللفظ‏,‏ واعتبار المعنى‏.‏

فتقول‏:‏ ‏"‏قام القوم غير زيد وعمرو‏"‏ بالجر على اللفظ، وبالنصب على المعنى‏.‏

لأن معنى ‏"‏غير زيد‏"‏ ‏"‏إلا زيدا‏"‏‏,‏ وتقول‏:‏ ‏"‏ما قام غير زيد وعمرو‏"‏ بالجر وبالرفع؛ لأنه على معنى ‏"‏إلا زيد‏"‏‏.‏

وظاهر كلام سيبويه أنه من العطف على الموضع، وذهب الشلوبين إلى أنه من باب التوهم‏.‏

الثالث‏:‏ لا يجوز جر المعطوف على المستثنى ‏"‏بإلا‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏قام القوم إلا زيدًا‏"‏ على معنى ‏"‏غير‏"‏ خلافا لبعضهم، وما استدل به متأول‏.‏

ثم قال‏:‏

ولسوى سوى سواء‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذه ثلاث لغات، وزاد بعضهم ‏"‏رابعة‏"‏‏,‏ وهي المدّ مع الكسر‏.‏

وظاهر كلامه أنه يستثنى بالثلاث، وهو ظاهر كلام الأخفش، ولم يمثل سيبويه إلا بالمكسورة‏.‏

وقال ابن عصفور في الشرح الصغير‏:‏ ولم يشرب منها معنى ‏"‏الاستثناء‏"‏ إلا سوى المكسورة السين‏,‏ فإن استثني بما عداها فبالقياس عليها‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ اجعلا‏.‏‏.‏‏.‏ على الأصح ما لغير جُعلَا

أي‏:‏ اجعل لسوى وأختيها ما جعل ‏"‏لغير‏"‏ من كونها تجر المستثنى، وتعرب بإعراب ما بعد ‏"‏إلا‏"‏ على ما سبق في ‏"‏غير‏"‏ من التفعيل والتمثيل؛ لأنها بمعنى غير‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏على الأصح‏"‏ إلى مذهب سيبويه وأكثر البصريين، وهو أنها ظرف لا يتصرف إلا في الشعر‏.‏

ونقل عن الفراء‏:‏ قال سيبويه بعد أن مثّل بقوله‏:‏ ‏"‏أتاني القوم سواك‏"‏‏:‏ زعم الخليل أن هذا كقولك‏:‏ أتاني القوم مكانك، إلا أن في سواك معنى الاستثناء‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

قال ابن عصفور‏:‏ ولما كانت الظرفية فيها مجازا لم ‏"‏يتصرف‏"‏ فيها‏,‏ واستدل من قال بظرفيتها بوصل الموصول بها نحو‏:‏ ‏"‏جاء الذي سواك‏"‏‏.‏

أي‏:‏ المصنف‏,‏ وإنما اختار خلاف ما ذهبوا إليه‏.‏

قال في شرح الكافية لأمرين‏:‏

أحدهما‏:‏ إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل‏:‏ ‏"‏قاموا سواك‏,‏ وقاموا غيرك‏"‏ واحد، وأنه لا أحد منهم يقول‏:‏ إن ‏"‏سوى‏"‏ عبارة عن مكان أو زمان‏.‏

والثاني‏:‏ أن من يحكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تتصرف‏.‏ والواقع في كلام ‏"‏العرب‏"‏ نثرا ونظما خلاف ذلك ا‏.‏ هـ‏.‏

وأكثر فيه‏,‏ وفي شرح التسهيل من ‏"‏الاستشهاد‏"‏ على تصرفها‏.‏

وأجاب عن استدلالهم بوقوعها صلة بأنه لا يلزم من وقوعها صلة كونها ظرفا‏.‏

وأجاز أن يكون موضعها بعد الموصول رفعا على أنها خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون نصبا على أنه حال وقبله ثبت مضمرا‏.‏

قال‏:‏ ويقوي هذا الوجه قول من قال‏:‏ ‏"‏رأيت الذي سواك‏"‏ بالنصب‏.‏

‏"‏ولنا‏"‏ أن نجعل سواك بعد الموصول خبر مبتدأ ‏"‏ومضمر‏"‏ على أن يكون مبنيا لإبهامه وإضافته إلى مبني كما فعل ذلك بغير في قوله‏:‏

لُذْ بقيس حين يأبى غيرَه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

قلت‏:‏ هذا خلاصة ما ذكره المصنف نصرة لمذهبه، وهو منقول عن الزجاجي‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ ما استدل به لا ينهض دليلا على دعواه‏.‏

أما ما ذكره من إجماع أهل اللغة فغير مسلم لما نقله سيبويه عن الخليل، وقد تقدم‏.‏

وأما ما استشهد به من النظم فلا حجة فيه؛ لأن سيبويه ومن وافقه معترف بتصرفه في الشعر، وقد أنشد سيبويه بعضه ولم يذكر من تصرفه في النثر إلا جره بمن في الحديث‏,‏ وقول بعض العرب‏:‏ ‏"‏أتاني سواك‏"‏ وحكاه الفراء‏.‏

وأما الجر بمن‏,‏ فقد تقدم أنه لا يعتدّ به في إخراج الظرف عن عدم التصرف‏.‏

وأما ‏"‏أتاني سواك‏"‏‏,‏ فهو أقوى ما احتج به‏.‏

قال في البسيط‏:‏ قال البصريون‏:‏ هذا من ‏"‏الشاذ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وكلام حاكيه -أعني الفراء- يدل على قلته، فإنه قال ‏"‏في‏"‏ ‏"‏سواك ومكانك وبدلك ونحوك ودونك‏"‏‏:‏ لا تستعمل أسماء مرفوعة‏.‏

ثم قال‏:‏ وربما رفعوا‏.‏ قال أبو ثروان‏:‏ ‏"‏أتاني سواك‏"‏‏,‏ وأما تجويزه كون ‏"‏سواك‏"‏ بعد الموصول خبر ‏"‏مبتدأ‏"‏ مضمر فضعيف؛ لأن فيه حذف صدر الصلة من غير طول، ولو كان كذلك لجاز في ‏"‏غير‏"‏ فصيحا كما جاز في ‏"‏سوى‏"‏، وأيضا فقولهم‏:‏ ‏"‏رأيت الذي سواك‏"‏ بالنصب يضعفه‏.‏

وأما ادعاء بنائه لإبهام وإضافته إلى مبني فبعيد، وقد ضعف في باب الإضافة من شرح التسهيل القول بمثل ذلك‏.‏

وأما تقدير‏:‏ ثبت فلا يخفى بعده، وقد اتضح بذلك صحة القول بالظرفية إلا أن الظاهر هو عدم لزومها؛ لكثرة تصرفه في الشعر، ولما حكاه الفراء‏.‏ فهو إذًا ظرف متصرف مستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا، وهذا مذهب قوم؛ منهم الرماني والعكبري‏.‏

وقوله في الكافية‏:‏ ‏"‏ومانع تصريفه من عده ظرفا‏"‏ هـ‏,‏ يوهم أن كل من قال بظرفيته قال بمنعه التصرف، وليس كذلك‏,‏ بل المذاهب ثلاثة، والله أعلم‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ ‏"‏ما لغير‏"‏ مساواتها لغير في جميع الأحكام‏.‏

وليس كذلك‏.‏ بل افترقا في أمرين‏:‏

الأول‏:‏ أن المستثنى بغير قد يحذف إذا فهم المعنى‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏ليس غيرُ‏"‏ بالضم والفتح وبالتنوين بخلاف ‏"‏سوى‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن ‏"‏سوى‏"‏ يقع صلة للموصول وحدها في فصيح الكلام‏,‏ بخلاف ‏"‏غير‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ‏"‏إنما ساوى بينهما فيما ذكره لغير من جر المستثنى ‏"‏وإعرابها بإعراب‏"‏ ما بعد إلا في جميع الأحكام‏.‏

فإن قلت‏:‏ يلزمه ‏"‏أنه‏"‏ يجوز في المعطوف على المستثنى بها اعتبار المعنى‏,‏ كما جاز في ‏"‏غير‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ لا يبعد أن ‏"‏يلتزمه‏"‏ قياسا‏.‏

وقوله في التسهيل‏:‏ تساويها مطلقا سوى‏,‏ هـ بعد ذكره ‏"‏جوز‏"‏ اعتبار المعنى في المعطوف على مجرور ‏"‏ظاهر في إجازته‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

واستثْنِ ناصبا بليس وخلا‏.‏‏.‏‏.‏ وبِعَدا وبيكون بعد لا

أما ‏"‏ليس‏"‏ و‏"‏لا يكون‏"‏ فالمستثنى بهما خبرهما؛ فلهذا وجب نصبه واسمهما عند البصريين ضمير عائد على البعض المفهوم من الكلام‏.‏

والمعنى‏:‏ ليس هو‏,‏ أي‏:‏ بعضهم زيدا‏.‏

وعند الكوفيين ضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق؛ ولذلك كان مفردا، والتقدير‏:‏ ليس هو‏,‏ أي‏:‏ ‏"‏ليس‏"‏ فعلهم فعل زيد‏,‏ فحذف المضاف، ورد بأنه لا يطرد‏.‏

وفي الارتشاف‏:‏ قال ابن مالك‏,‏ وصاحب البسيط‏:‏ هو محذوف حذف الاسم؛ لقوة دلالة الكلام عليه‏.‏

وهذا مخالف لما اتفق عليه الكوفيون والبصريون من أن ‏"‏الفاعل‏"‏ مضمر‏,‏ لا محذوف‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

قلت‏:‏ قد صرح في شرح الكافية بأن اسمها مضمر مستتر‏.‏

وقوله في التسهيل‏:‏ واسمها بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه لازم الحذف ا‏.‏ هـ‏.‏ يقتضي ظاهره أنه محذوف لا مضمر، ويمكن أن يكون تجوز في ‏"‏التعبير‏"‏ عن الإضمار بالحذف‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل لجملتي ‏"‏ليس‏"‏ و‏"‏لا يكون‏"‏ في الاستثناء ‏"‏محل من الإعراب‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ في ذلك خلاف‏.‏ قيل‏:‏ هما في موضع نصب على الحال، وقيل‏:‏ لا محل لهما، وصححه ابن عصفور‏.‏

وأما ‏"‏عدا وخلا‏"‏ فقد ثبت بالنقل الصحيح عن العرب أنهما ينصبان المستثنى ويجرانه‏,‏ فنقول‏:‏ ‏"‏قام القومُ عدا زيدًا و‏"‏عدا زيدٍ‏"‏‏"‏ و‏"‏خلا عمرًا‏"‏ و‏"‏خلا‏"‏ عمرٍو‏.‏

وقد أشار إلى جواز جر المستثنى بهما بقوله‏:‏

واجرُرْ بسابقَيْ يكون إن تُرِد‏.‏‏.‏‏.‏ وهما عدا وخلا

فإن قلت‏:‏ هل الأرجح نصب المستثنى بهما أو جره‏؟‏

قلت‏:‏ لا إشكال في أن النصب ‏"‏بِعَدَا‏"‏ أرجح؛ لأن فعليتها ‏"‏أشهر‏"‏‏.‏

ولذلك التزم سيبويه فعليتها‏,‏ ولم يحفظ حرفيتها‏.‏

وأما ‏"‏خلا‏"‏ ‏"‏فالنصب‏"‏ بها أرجح أيضا‏.‏

قيل‏:‏ ولم يعرف سيبويه الجر بها، وليس كذلك‏,‏ بل ذكر سيبويه فيها الجر أيضا‏.‏ وقال الأخفش في الأوسط‏:‏ كل العرب يجرون ‏"‏بخلا‏"‏ وقد زعموا أنه ينصب بها‏,‏ وذلك لا يعرف‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وهو خلاف المشهور‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وبعدَ ما انْصِبْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

نحو‏:‏ ‏"‏ما عدا زيدًا وما خلا عمرًا‏"‏، وإنما تعين النصب بعد ‏"‏ما‏"‏؛ لأنها مصدرية فتعينت ‏"‏فعليتها‏"‏؛ لأنها لا يليها حرف جر، وتعين النصب مع ‏"‏ما‏"‏ هو مذهب الجمهور‏.‏

وحكى الجرمي الجر مع ‏"‏ما‏"‏ في ‏"‏الفرخ‏"‏ عن بعض العرب، وإليه الإشارة بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وانجرار قد يَرِد

وأجاز ذلك الكسائي والربعي والفارسي في كتاب الشعر له، وعلى هذا ‏"‏فما‏"‏ زائدة لا مصدرية‏.‏

وحيث جُرَّا فهما حرفان‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني مجردين من ‏"‏ما‏"‏‏,‏ أو مقترنين بها‏.‏

فإن قلت‏:‏ بأي شيء يتعلقان إذا كانا حرفي جر‏؟‏

قلت‏:‏ قيل‏:‏ بالفعل، أو معنى الفعل، فموضعهما نصب، وقيل‏:‏ هما في موضع نصب على تمام الكلام‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كما هما إن نصبا فِعْلان

يعني مجردين من ‏"‏ما‏"‏ أو ‏"‏مقترنين‏"‏ بها، وهما فعلان متعديان والمستثنى بهما مفعول به، وفاعلهما عند سيبويه وأكثر البصريين ضمير مستكن عائد على البعض المفهوم من الكلام، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وبه جزم في شرح الكافية‏.‏

وكلامه في التسهيل يقتضي أنه محذوف‏,‏ كما تقدم في اسم ‏"‏ليس‏"‏ و‏"‏لا يكون‏"‏‏.‏

وقال في شرحه‏:‏ وفيه ضعف؛ لأن قولك‏:‏ ‏"‏قاموا عدا زيدًا‏"‏، إن جعل تقديره‏:‏ عدا بعضهم زيدًا، لم يستقم إلا أن يراد بالبعض من سوى زيد‏.‏

وهذا وإن صح ‏"‏إطلاق البعض‏"‏ على الكل إلا واحدا، فليس لقلته في الاستعمال ‏"‏فالأجود‏"‏ أن يجعل الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه، فيقدر في ‏"‏قاموا عدا زيدا‏"‏‏:‏ جاوز قيامهم زيدا‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

قيل‏:‏ ولا يطرد‏,‏ إذ ينتقض في نحو‏:‏ ‏"‏القومُ إخوتُك عدا زيدا‏"‏؛ لأنه لم يتقدم فعل‏,‏ ولا ‏"‏ما‏"‏ يجري مجراه‏.‏

وينبغي ألا يجوز تقدير‏:‏ جاوز بعضهم على مذهب الكسائي وهشام؛ لأن البعض عندهما لا يقع إلا على ما دون النصف‏.‏

والصحيح جواز وقوعه على النصف، وعلى ‏"‏أزيد‏"‏ منه كقوله‏:‏

داينتُ أروَى والديون تُقْضَى‏.‏‏.‏‏.‏ فمطلت بعضا وأدَّت بعضا

وذهب المبرد إلى أن فاعلهما ضمير ‏"‏عائد‏"‏ على ‏"‏من‏"‏ المفهوم من معنى الكلام‏,‏ أي‏:‏ عدا من قام زيدا‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل لجملتي ‏"‏عدا‏"‏ و‏"‏خلا‏"‏ محل من الإعراب‏؟‏

قلت‏:‏ إن وقعا صلة ‏"‏لما‏"‏ فلا محل لهما، وإلا فقولان كما تقدم في ‏"‏ليس‏"‏، وصحح ابن عصفور أنهما لا محل لهما كما صححه في ‏"‏ليس‏"‏ و‏"‏لا يكون‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا وقعا صلة ‏"‏لما‏"‏ المصدرية، فما موضع المصدر والمؤول من الإعراب‏؟‏

قلت‏:‏ نصب بلا خلاف، وإنما اختلفوا في وجه نصبه‏.‏ فقال السيرافي‏:‏ هو مصدر موضوع موضع الحال كما يجوز ذلك في المصدر الصريح‏.‏ وذهب ابن خروف إلى أن انتصابه على الاستثناء انتصاب ‏"‏غير‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ انتصابه على الظرف ‏"‏وما‏"‏ وقتيّة؛ أي‏:‏ وقت مجاوزتهم‏.‏

ثم قال‏:‏

وكخلا حاشا ولا تصحب ما‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن ‏"‏حاشا‏"‏ مثل ‏"‏خلا‏"‏ يجوز نصب المستثنى بها وجره، فإذا نصبت كانت فعلا، والخلاف في فاعلها، وفي محل الجملة كما في خلا‏.‏ وإذا جرت كانت حرفا، والكلام على ما يتعلق به كالكلام على ‏"‏خلا‏"‏‏,‏ لا فرق بينهما إلا ‏"‏في‏"‏ ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أن الفراء ذهب إلى أن ‏"‏حاشا‏"‏ فعل، ولا فاعل له، والنصب بعده إنما هو بالحمل على ‏"‏إلا‏"‏ ولم ينقل عنه ذلك في ‏"‏عدا‏"‏ و‏"‏خلا‏"‏‏,‏ قيل‏:‏ ويمكن القول فيهما بذلك‏.‏

الثاني‏:‏ أن الجر ‏"‏بحاشا‏"‏ هو الأكثر بخلاف ‏"‏عدا‏"‏ و‏"‏خلا‏"‏؛ ولذلك التزم سيبويه حرفيتها ولم يجز النصب بها؛ لأنه لم يحفظه‏.‏ وقد ثبت بنقل أبي زيد والفراء والأخفش والشيباني وابن خروف‏,‏ وأجازه ‏"‏الجرمي‏"‏ والمازني والمبرد والزجاج‏"‏‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ أن ‏"‏حاشا‏"‏ لا تصحب ‏"‏ما‏"‏‏,‏ بخلاف ‏"‏عدا‏"‏ و‏"‏خلا‏"‏‏.‏

قال سيبويه‏:‏ لو قلت‏:‏ ‏"‏أتوني ما حاشا زيدًا‏"‏ لم يكن كلاما، وقد أجازه بعضهم على قلة‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ وربما قيل‏:‏ ‏"‏ما حاشاه‏"‏‏,‏ وذكر في شرحه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أسامة أحب الناس إليَّ ما حاشا فاطمةَ‏"‏‏.‏

وأنشد بعضهم على ذلك قوله‏:‏

رأيت الناس ما حاشا قريشًا‏.‏‏.‏‏.‏ فإنا نحن أفضلهم فَعَالا

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقيل حاشَ وحَشَا فاحفظْهما

ظاهره‏:‏ أن هاتين اللغتين في حاشا التي يستثنى بها‏.‏

‏"‏وقد سمع الاستثناء بحشا في قوله‏:‏

حشا رهطِ النبي فإن منهم‏.‏‏.‏‏.‏ بحورا لا تُكدِّرها الدِّلَاء

ولم يسمع بحاش‏"‏‏.‏

وكلامه في التسهيل ظاهر في أنهما في ‏"‏حاشا‏"‏ التي للتنزيه وهي التي يليها المجرور باللام نحو‏:‏ ‏"‏حاشا لله‏"‏‏.‏

وقد قرئ باللغات الثلاث وأقلها ‏"‏حشا‏"‏‏,‏ وهذه التي يليها المجرور ‏"‏باللام‏"‏ ‏"‏ليست‏"‏ حرفا‏.‏

قال في ‏"‏شرح‏"‏ التسهيل بلا خلاف، بل هي إما فعل، وهو مذهب المبرد، وإما اسم منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل‏,‏ ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود‏:‏ ‏"‏حاشَ الله‏"‏ بالإضافة مثل‏:‏ ‏"‏سبحانَ اللهِ‏"‏‏,‏ وقراءة أبي السمال‏:‏ ‏"‏حاشًا لله‏"‏ بالتنوين مثل‏:‏ ‏"‏رَعْيًا لزيد‏"‏‏,‏ والوجه في قراءة من لم ينون أن تكون مبنية لشبهها ‏"‏بحاشا‏"‏ الحرفية لفظا ومعنى‏.‏

الحال‏:‏

قال‏:‏

الحال وصف فضلة مُنتصِب‏.‏‏.‏‏.‏ مُفْهِم في حال كفردًا أذهب

الحال‏:‏ تذكر وتؤنث، وقوله‏:‏ ‏"‏وصف‏"‏ كالجنس يشمل الحال وبعض الأخبار وبعض النعوت ونحو‏:‏ ‏"‏لله دره فارسا‏"‏ من التمييز‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏فضلة‏"‏ ‏"‏أخرج‏"‏ الخبر، والفضلة ما يجوز الاستغناء عنها إلا لعارض فلا يعترض ‏"‏بالحال‏"‏ في مثل‏:‏ ‏"‏ضربي زيدًا قائمًا‏"‏‏,‏ فإن امتناع حذفها لسدها مسد الخبر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏منتصب‏"‏ ‏"‏أخرج‏"‏ النعت؛ لأنه ‏"‏يعني‏"‏ لازم النصب‏,‏ والنعت تابع المنعوت‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏مفهم في حال‏"‏ أي‏:‏ في حال كذا، أخرج نحو‏:‏ ‏"‏لله دره فارسا‏"‏ فإن التمييز ‏"‏يقدر‏"‏ بمن لا بفي‏.‏

وقول الشارح‏:‏ إن هذا التعريف ليس بمانع؛ لأنه يشمل النعت هـ‏,‏ غير مسلم لخروجه ‏"‏بقيد‏"‏ لزوم النصب‏.‏

تنبيه‏:‏ ذكر في الكافية والتسهيل أن الحال قد تجر بباء زائدة‏,‏ إن نفي عاملها كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فما انبعثت بمزءُود ولا وَكَل

ونُوزِع في ذلك‏.‏

وذكر في باب حروف ‏"‏الجر‏"‏ من شرح التسهيل أن من الزائدة ربما دخلت على ‏"‏الحال‏"‏ ومثّله بقراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخَذَ مِن دونك من أولياء‏"‏ مبنيا للمفعول‏,‏ وفيه نظر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏كفردا أذهب‏"‏ مثال، وفهم ‏"‏منه‏"‏ جواز تقديم الحال على عاملها وسيأتي‏.‏

ثم قال‏:‏

وكونه مُنْتَقلا مشتقا‏.‏‏.‏‏.‏ يغلب لكن ليس مُستحَقا

كون الحال منتقلا أي‏:‏ غير لازم لصاحبه، ومشتقا أي‏:‏ مصوغا من مصدر للدلالة على متصف غالب لا واجب‏.‏

فمن وروده لازما‏:‏ ‏{‏وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا‏}‏ ‏,‏ ومن وروده غير مشتق‏:‏ ‏{‏فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ ‏"‏أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا‏}‏‏.‏

وقد اجتمع اللزوم والجمود في قولهم‏:‏ ‏"‏هذا خاتَمُك حديدًا‏"‏ و‏"‏هذه ‏"‏جُبَّتُك‏"‏ خَزًّا‏"‏ وهما من أمثلة سيبويه‏.‏

وفصل بعضهم في الانتقال‏,‏ فقال‏:‏ الحال قسمان‏:‏ مبينة ومؤكدة‏.‏

فالمبينة لا بد أن تكون منتقلة، أو مشبهة بالمنتقلة نحو‏:‏ ‏"‏خُلق زيد أشهل‏"‏؛ لأنه كان يمكن أن يخلق غير أشهل‏.‏

والمؤكدة‏:‏ يجوز أن تكون غير منتقلة، أي‏:‏ لازمة‏.‏

ثم قال‏:‏

ويكثر الجمود في سعر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

اعلم أنه يكثر جمود الحال إذا كان مؤولا بالمشتق ‏"‏تأويلا‏"‏ غير متكلف‏,‏ وذلك بأن يدل على سعر نحو‏:‏ ‏"‏بعته مُدَّا بكذا‏"‏ أي‏:‏ مسعرا‏.‏

أو مفاعلة نحو‏:‏ ‏"‏بعته يدًا بيد‏"‏ أي‏:‏ مناجزة، أو ‏"‏تشبيه‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏كر زيد أسدا‏"‏ أي‏:‏ مثل أسد، أو ترتيب نحو‏:‏ ‏"‏ادخلوا رجلا رجلا‏"‏ أي‏:‏ مرتين‏.‏

وفي نصب الثاني أقوال‏,‏ والمختار أنه وما قبله منصوبان بالعامل ‏"‏المتقدم‏"‏؛ لأن مجموعهما هو الحال، ونظيرهما في الخبر‏:‏ ‏"‏الرمان حلوٌ حامضٌ‏"‏ أو أصالة نحو‏:‏ ‏{‏قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ أو فرعية نحو‏:‏ ‏{‏وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏}‏ وهي حال مقدرة‏,‏ أو تنويع‏:‏ نحو‏:‏ ‏"‏هذا مالك ذهبًا‏"‏‏.‏

أو ‏"‏طور‏"‏ واقع فيه تفضيل‏:‏ ‏"‏هذا بُسْرًا أطيب منه رُطَبًا‏"‏‏.‏

أو بنعت نحو‏:‏ ‏{‏فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا‏}‏‏.‏

وقد اندرج كله تحت قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وفي‏.‏‏.‏‏.‏ مُبْدِي تأول بلا تكلف

فإن قلت‏:‏ الدال على السعر مندرج في ذلك، وقد أفرده بالذكر‏.‏

قلت‏:‏ هو من ‏"‏باب‏"‏ عطف العام على الخاص‏.‏

ثم قال‏:‏

والحال إن عُرِّف لفظا فاعتقد‏.‏‏.‏‏.‏ تنكيره معنى كوحدَكَ اجتهِد

لما كان الغالب اشتقاق الحال وتعريف صاحبه‏,‏ التزم تنكيره ‏"‏معنى‏"‏ لئلا يتوهم كونه نعتا‏.‏

وقد يجيء على صورة المعرَّف بالأداة‏,‏ فيحكم بزيادتها نحو‏:‏ ‏"‏ادخلوا الأولَ فالأولَ‏"‏‏.‏

أو بالإضافة‏:‏ فيحكم بأنه نكرة لم يتعرف بها نحو‏:‏ ‏"‏طلبته جَهْدِي وطاقتي‏"‏ و‏"‏اجتهد وحدَكَ‏"‏ أي‏:‏ منفردا‏.‏

وإذا قلت في المتعدي‏:‏ ‏"‏ضربتُ زيدًا وحدَهُ‏"‏ فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل‏,‏ أي‏:‏ ضربته في حال إيحادي له بالضرب‏.‏

وأجاز المبرد أن يكون حالا من المفعول‏.‏

ورجح مذهب سيبويه بأن وضع المصدر موضع اسم الفاعل أكثر‏.‏

وعين ‏"‏ابن طلحة كونه‏"‏ حالا من المفعول‏.‏ قال‏:‏ لأنهم إذا أرادوا الفاعل قالوا‏:‏ ‏"‏مررت به وحدي‏"‏ وفي وحده أقوال‏:‏

الأول‏:‏ مذهب سيبويه أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوجد في موضع إيحاد، وإيحاد في موضع موحد‏.‏

الثاني‏:‏ أنه مصدر أوحدته، وهو محذوف الزوائد، وإليه ذهب أبو الفتح‏.‏

الثالث‏:‏ ‏"‏أنه‏"‏ مصدر لم يلفظ له بفعل‏.‏

وعلى هذين القولين‏,‏ فهو مصدر في موضع الحال‏.‏

الرابع‏:‏ ذهب يونس إلى أنه ‏"‏منتصب‏"‏ على الظرف؛ لقول العرب‏:‏ ‏"‏زيد وحدَهُ‏"‏ والتقدير‏:‏ زيد موضِعَ التفرد‏.‏

وأجاز ابن هشام في قولهم‏:‏ ‏"‏زيد وحده‏"‏ وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ ما قاله يونس‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون مصدرا بفعل مقدر هو الخبر‏,‏ كما قالوا‏:‏ ‏"‏زيد إقبالا‏"‏ أي‏:‏ يقبل إقبالا‏.‏

وقد حكى الأصمعي‏:‏ ‏"‏وَحَدَ يَحِدُ‏"‏‏,‏ فعلى هذا هو مصدر لفعل مستعمل‏.‏

تنبيه‏:‏

ما تقدم من اشتراط تنكير الحال هو مذهب الجمهور، وأجاز يونس والبغداديون أن يأتي معرفة، وقاسوا على نحو‏:‏ ‏"‏ادخلوا الأولَ فالأولَ‏"‏‏.‏

وأجاز الكوفيون أن يأتي على صورة المعرفة، إذا كان فيها معنى الشرط وهي مع ذلك نكرة، وأجازوا‏:‏ ‏"‏عبدُ اللهِ المحسنَ أفضل منه المسيءَ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

ومصدر منكَّر حالا يقع‏.‏‏.‏‏.‏ بكثرة كبغْتَةً زيدٌ طلع

من وقوع المصدر موقع الحال قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا‏}‏ ‏,‏ ‏{‏وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا‏}‏، وقولهم‏:‏ ‏"‏قتلته صبرًا‏"‏، و‏"‏اطلع زيد بغتةً‏"‏ وهو كثير‏.‏

ومع كثرته فنقل إجماع الفريقين على قصره على السماع، وإن اختلفوا في التخريج إلا المبرد، فإنه أجاز القياس ‏"‏فقيل‏"‏، عنه مطلقا، وقيل‏:‏ فيما هو نوع الفعل‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏أتيته سُرْعَةً‏"‏ وهو المشهور عنه‏.‏

واستثني في التسهيل ثلاثة أنواع‏,‏ لا يقتصر فيها على السماع‏:‏

الأول‏:‏ قولهم‏:‏ ‏"‏أنت الرجل علمًا‏"‏‏,‏ فيجوز ‏"‏أن‏"‏ تقول‏:‏ ‏"‏أنت الرجل أدبًا ونبلًا‏"‏‏,‏ والمعنى‏:‏ الكامل في حال علم وأدب ونبل‏.‏

وفي الارتشاف‏:‏ ويحتمل عندي أن يكون تمييزا‏.‏

الثاني‏:‏ نحو‏:‏ ‏"‏‏"‏زيد‏"‏ زهير شعرًا‏"‏‏,‏ قال في الارتشاف‏:‏ والأظهر أن يكون تمييزا‏.‏ هـ‏.‏

الثالث‏:‏ ‏"‏أما علما فعالم‏"‏‏,‏ تقول ذلك لمن وصف عندك شخصا بعلم وغيره منكِرا عليه وصفه بغير العلم، والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف، وصاحب الحال هو المرفوع ‏"‏به‏"‏، والتقدير‏:‏ مهما يُذكر إنسان في حال علم‏,‏ فالذي وصفت عالم‏.‏

ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه‏,‏ وهي على هذا مؤكدة، والتقدير‏:‏ مهما يَكُنْ من شيء‏,‏ فالمذكور عالم في حال علم‏.‏

فلو كان ما بعد ‏"‏الفاء لا يعمل‏"‏ ‏"‏فيما قبله‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏أما علمًا فهو ذو علم‏"‏‏,‏ تعين أن يكون العامل فعل الشرط‏.‏

فلو كان المصدر التالي ‏"‏أما‏"‏ معرفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له‏.‏ وذهب الأخفش إلى أن المنكر والمعرف كليهما بعد ‏"‏أما‏"‏ مفعول مطلق‏.‏

وذهب الكوفيون -على ما نقله ابن هشام- إلى أن القسمين مفعول به بفعل مقدر، والتقدير‏:‏ مهما تذكر علما فالذي ‏"‏وُصف‏"‏ عالم‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ مذهب سيبويه في المصدر موقع الحال أنه هو الحال‏.‏

وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه مفعول مطلق‏,‏ وعامله المحذوف هو الحال‏.‏

وذهب الكوفيون إلى أنه مفعول مطلق منصوب ‏"‏بالفعل‏"‏ قبله‏,‏ وليس في موضع الحال‏.‏

وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف، فيقدر في‏:‏ ‏"‏أتيته رَكْضًا‏"‏ إتيانه ركضا‏.‏

‏"‏وقيل‏:‏ هي أحوال على حذف مضاف، أي‏:‏ أتيته ذا ركض‏"‏ وكذا سائرها‏.‏

الثاني‏:‏ في قوله‏:‏

ومصدر منكر حالا يقع‏.‏‏.‏‏.‏ بكثرة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تنبيه على ‏"‏أن‏"‏ وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة‏,‏ وهو ضربان‏:‏

علم جنس‏:‏ كقول العرب‏:‏ ‏"‏جاءت الخيل بَدَادِ‏"‏ فيؤول بنكرة أي‏:‏ متبددة‏.‏

وذو أداة كقوله‏:‏

فأرسلها العِرَاكَ ولم يذدها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فيؤول على زيادة ‏"‏أل‏"‏‏.‏

وفيه ‏"‏وفي‏"‏ نحوه ثلاثة مذاهب‏:‏

أحدها‏:‏ أنه مصدر في موضع الحال، وهو مذهب سيبويه‏.‏

والثاني‏:‏ أنه معمول لفعل مقدر‏,‏ أي‏:‏ تعترك العراكَ، وهو مذهب الفارسي‏.‏

والثالث‏:‏ أنه معمول لحال محذوفة‏,‏ أي‏:‏ معتركة العراك‏.‏

وذهب ابن الطراوة إلى أن العراك نعت مصدر محذوف‏,‏ وليس بحال‏.‏

أي‏:‏ الإرسال العراك‏.‏

وأنشده ثعلب‏:‏ ‏"‏فأوردها العراك‏"‏‏,‏ وزعم أن العراك مفعول ثانٍ لأوردها، ونقل عن الكوفيين أن أرسلها مضمن معنى أوردها‏.‏

ثم انتقل إلى صاحب الحال فقال‏:‏

ولم يُنَكَّر غالبا ذو الحال

وذلك لشبهه بالمبتدأ‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏غالبا‏"‏ إلى أنه ‏"‏قد‏"‏ ينكر في المواضع الآتية قليلا، حكاه سيبويه، وجعله مقيسا بغير شرط، وإن كان الاتباع أقوى‏.‏

والقياس قول يونس والخليل، خلافا لمن قال‏:‏ لا يجوز في غير الموصوف إلا سماعا ما لم يتقدم‏.‏

وقوله‏:‏ إن لم يتأخر‏.‏

يعني‏:‏ عن الحال نحو‏:‏ ‏"‏هذا قائمًا رجلٌ‏"‏ مثّل به سيبويه‏.‏

وأما نحو‏:‏ ‏"‏فيها قائمًا رجل‏"‏ فيظهر من كلام سيبويه أن ذا الحال هو المبتدأ ‏"‏لا‏"‏ الضمير المستكن في الخبر كما ذهب إليه قوم‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأن الحال خبر في المعنى‏,‏ ‏"‏فجعله‏"‏ لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما، وهذا يستقيم لو تساويا في التعريف‏.‏

وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا ‏"‏لا يضمر‏"‏ فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر‏.‏

وقوله‏:‏ أو يُخَصَّص‏.‏

يعني‏:‏ بإضافة نحو‏:‏ ‏{‏فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ‏}‏‏.‏

أو وصف نحو‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا‏}‏ ‏,‏ خلافا لمن شرط وصفين، ولو قيل‏:‏ إن الحال من الضمير ‏"‏في الوصف‏"‏ لكان أولى‏.‏

وقوله‏:‏ أو يَبِنْ، أي‏:‏ يظهر من بعد نفي‏.‏

كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ‏}‏ ‏,‏ خلافا للزمخشري في جعله الجملة صفة ‏"‏قرية‏"‏‏.‏

‏"‏أو مضاهيه‏"‏ يعني‏:‏ مشابهة للنفي وهو النهي‏,‏ كقوله‏:‏

لا يركَنَنْ أحد إلى الإحجام‏.‏‏.‏‏.‏ يوم الوَغَى متخوفا لحِمَام

والاستفهام كقوله‏:‏

يا صاحِ هل حُمَّ عيش باقيا فترى‏.‏‏.‏‏.‏ لنفسك العذر في إبعادها الأملا

ومثّل النهي بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كلا

يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا

فهذه ستة مسوغات على التفصيل‏.‏

وزاد في التسهيل ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ أن تكون الحال جملة ‏"‏مقرونة‏"‏ بالواو نحو‏:‏ ‏{‏أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ‏}‏ ؛ لأن الواو رفعت توهم النعتية‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون الوصف به على خلاف الأصل‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏هذا خاتم حديدًا‏"‏‏.‏

والثالث‏:‏ اشتراك المعرفة مع النكرة في الحال‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏هؤلاء ناسٌ وعبدُ اللهِ منطلقينَ‏"‏‏,‏ وقد جعل سيبويه لهذه المسألة بابا‏.‏

ثم قال‏:‏

وسَبْق حالٍ ما بحرف جُر قد‏.‏‏.‏‏.‏ أبوا ولا أمنعه فقد ورد

صاحب الحال مرفوع ومنصوب ومجرور‏.‏

‏"‏فتقديمها‏"‏ على المرفوع والمنصوب جائز عند البصريين ما لم ‏"‏يمنعه مانع‏"‏ كالحصر، ومنع الكوفيون تقديمها على المرفوع الظاهر‏.‏

فقيل‏:‏ عنهم مطلقا، وقيل‏:‏ إن تقدمت على رافعه‏.‏

ومنعوا تقديمها على المنصوب الظاهر أيضا، فقيل‏:‏ مطلقا‏,‏ وقيل‏:‏ إن لم تكن فعلا‏.‏

وأما المجرور‏:‏ فإن كان بإضافة لم يجز تقديم الحال عليه ‏"‏عند أكثر النحويين‏"‏‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ ‏"‏فإن كانت الإضافة غير محضة جاز كقولك‏:‏ ‏"‏هذا شارب السويق ملتوتًا الآن أو غدا‏"‏‏,‏ وإن كان مجرورا بحرف لم يجز تقديم الحال عليه عند أكثر النحويين‏"‏‏.‏

وقال المصنف‏:‏ الصحيح الجواز لثبوته سماعا، ولضعف دليل المنع إلا أن تقديمه ضعيف مع جوازه‏.‏

وفصل الكوفيون؛ فقالوا‏:‏ إن كان المجرور ضميرا نحو‏:‏ ‏"‏مررتُ ضاحكةً بها‏"‏‏,‏ أو كانت الحال فعلا نحو‏:‏ ‏"‏مررتُ تضحكُ بهند‏"‏ جاز، وإلا امتنع‏.‏

واستدل المصنف بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏}‏ ‏,‏ وبأبيات ظاهرة فيما ادعاه‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق ‏"‏المصنف‏"‏ في قوله‏:‏ ‏"‏بحرف‏"‏‏.‏

وينبغي أن يقيد بغير الزائد؛ لأنه موضع الخلاف‏.‏

قلت‏:‏ العذر له‏,‏ إن الزائد لا يقيد به؛ فلذلك أهمل التنبيه عليه لوضوحه‏.‏

فإن قلت‏:‏ على ماذا يعود الضمير في قوله‏:‏ ‏"‏أبوا‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ ظاهره أنه عائد على جميع النحويين ولا يصح حمله على ذلك؛ لأن منهم من أجاز، وقد نقل الجواز عن الفارسي‏,‏ وابن كيسان، وابن برهان‏,‏ على أن ‏"‏ابن‏"‏ الأنباري ‏"‏ذكر‏"‏ الإجماع على المنع‏,‏ فتعين صرف الضمير إلى الأكثر‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولا أمنعه‏"‏ يوهم انفراده بجوازه‏.‏

قلت‏:‏ لا يلزم من قوله‏:‏ ‏"‏أمنعه‏"‏ انفراده‏.‏

والمراد ‏"‏و‏"‏ لا أمنعه‏,‏ وفاقا لمن أجاز؛ لأنه قد نقل الخلاف في غير هذا الموضع‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏فقد وَرَد‏"‏ دعوى لم يقُم عليها دليل، إذ لم يرد نص بذلك لأن الآية التي استدل بها، والأبيات محتملة للتأويل‏.‏

قلت‏:‏ ظاهرها يدل على دعواه، والاحتمال في بعضها بعيد جدا، ولا عدول عن الظاهر مع مساعدة القياس، فليس هذا موضع الكلام على الآية‏,‏ ولا على الأبيات‏.‏

ثم قال‏:‏

ولا تُجِزْ حالا من المضاف له‏.‏‏.‏‏.‏ إلا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له أُضيفا‏.‏‏.‏‏.‏ أو مثل جزئه فلا تَحيفا

حاصل هذين البيتين أنه لا يجوز الحال من المضاف إليه‏,‏ إلا في ثلاثة مواضع‏:‏

الأول‏:‏ إذا كان المضاف عاملا في الحال، نحو‏:‏ ‏{‏إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا‏}‏ ‏,‏ فهذا جائز‏.‏ قال في شرح الكافية‏:‏ بلا خلاف هـ‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون المضاف جزء المضاف إليه‏,‏ نحو‏:‏ ‏{‏وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا‏}‏ ‏"‏فإن إخوانا حال من الضمير المخفوض بالإضافة‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء عنه ‏"‏به‏"‏‏,‏ نحو‏:‏ ‏{‏فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا‏}‏‏.‏

فلو لم يكن أحد هذه الثلاثة لم يجز، قال في شرح التسهيل‏:‏ بلا خلاف،

نحو‏:‏ ‏"‏ضربت غلام هند جالسة‏"‏، وحكى غيره عن ‏"‏بعض‏"‏ البصريين إجازته‏.‏

ونُوزِع المصنف في إجازة الحال من المضاف إليه، إذا كان المضاف جزأَهُ أو كجزئه؛ لأنه ما استدل به لا حجة فيه؛ لاحتمال كون ‏"‏إخوانا‏"‏ منصوبا على المدح‏,‏ و‏"‏حنيفا‏"‏ حال من ملة، وذكر على معنى الدين‏.‏

فإن قلت‏:‏ عَلَامَ يعود الضمير في قوله‏:‏ ‏"‏عمله‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ على الحال‏,‏ أي‏:‏ إلا إذا اقتضى المضاف نصب الحال‏.‏

ثم قال‏:‏

والحال إن يُنصَب بفعل صُرِّفا‏.‏‏.‏‏.‏ أو صفة أشبهت المصرَّفا

فجائز تقديمة كمسرعًا‏.‏‏.‏‏.‏ ذا راحل، ومخلصًا زيد دعا

يجوز تقديم الحال على عاملها، إذا كان فعلا متصرفا نحو‏:‏ ‏"‏مخلصا زيد دعا‏"‏‏,‏ خلافا للجرمي في منع تقديمها عليه‏,‏ وللأخفش في نحو‏:‏ ‏"‏راكبًا زيد جاء‏"‏ لبعدها عن العامل وهو كمثال المصنف، ولبعضهم في منع تقديم المؤكدة‏.‏

ومنع المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو‏,‏ نحو‏:‏ والشمسُ طالعةٌ جاء زيدٌ‏"‏‏.‏

ونص ابن ‏"‏أصبغ‏"‏ على أنه لا يمتنع عند الجمهور‏.‏

أو صفة تشبه الفعل المتصرف، بقبول علامات الفرعية كاسمي الفاعل والمفعول‏,‏ والصفة المشبهة نحو‏:‏ ‏"‏مسرعًا ذا راحلٌ‏"‏‏.‏

ونص سيبويه على جواز تقديمها على الفعل واسم الفاعل ونحوه‏,‏ واحتُرز بقوله‏:‏ ‏"‏صُرِّفا‏"‏ من غير المتصرف نحو‏:‏ ‏"‏ما أحسنَ هندًا متجردة‏"‏‏.‏

فلا يجوز تقديمها عليه ‏"‏لضعفه‏"‏‏.‏

وبقوله‏:‏ ‏"‏أشبهت المصرفا‏"‏ من أفعل التفضيل، فإنه لا يقبل علامات الفرعية مطلقا‏.‏

فجعل موافقا ‏"‏للجوامد من‏"‏ منع تقديم الحال عليه، ما لم يتوسط بين حالين كما سيذكر‏.‏

تنبيه‏:‏ جواز تقديم الحال على العامل المتصرف مشروط بعدم المانع، كوقوعه صلة ‏"‏أل‏"‏ أو حرف مصدري‏.‏

ثم قال‏:‏

وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا‏.‏‏.‏‏.‏ حروفه، مؤخَّرا لن يعملا

كتلك ليت وكأن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

لا يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان جامدا ضمن معنى المشتق، وذلك أنواع‏:‏

الأول‏:‏ الإشارة نحو‏:‏ ‏"‏تلك‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ حرف التمني نحو‏:‏ ‏"‏ليت‏"‏‏.‏

والثالث‏:‏ حرف التشبيه نحو‏:‏ ‏"‏كأَنَّ‏"‏‏.‏

والرابع‏:‏ حرف الترجي، وهو‏:‏ ‏"‏لَعَلَّ‏"‏‏.‏

والخامس‏:‏ حرف التنبيه نحو‏:‏ ‏"‏هَا‏"‏‏.‏

والسادس‏:‏ ‏"‏أما‏"‏ في نحو‏:‏ ‏"‏أما علمًا فعالمٌ‏"‏‏.‏

السابع‏:‏ الاستفهام المقصود به التعظيم نحو‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ يا جارتا ما أنتِ جارَهْ

وأجاز الفارسي فيه الحال والتمييز‏.‏

الثامن‏:‏ الجنس المقصود به الكمال نحو‏:‏ ‏"‏‏"‏هو‏"‏ الرجل علمًا‏"‏‏.‏

التاسع‏:‏ ‏"‏المشبه‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏هو زهير شعرًا‏"‏‏.‏

ونص المصنف على أن جميع هذه تعمل في الحال‏,‏ خلافا للسهيلي في اسم الإشارة وله، ولابن أبي العافية في حرف التنبيه‏,‏ ولبعضهم في ‏"‏كأن‏"‏‏,‏ ووفاقا للزمخشري وابن عصفور في ليت و‏"‏لعل‏"‏‏.‏

وصحّح بعضهم أن ‏"‏ليت‏"‏ و‏"‏لعل‏"‏ وباقي الحروف لا تعمل إلا ‏"‏كأنّ‏"‏ وكاف التشبيه‏.‏

وتقدم بيان العامل في الحال بعد ‏"‏أما‏"‏ ونسبة العمل إلى ‏"‏أما‏"‏ مجاز‏.‏ وقد اندرج تحت قوله‏:‏

وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا‏.‏‏.‏‏.‏ حروفه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

نوع عاشر‏:‏ وهو الظرف وشبهه، إذا ضُمنا الاستقرار‏,‏ فإنهما يعملان في الحال نحو‏:‏ ‏"‏زيد في الدار قائمًا‏"‏‏.‏

وللحال في هذا ثلاثة أحوال‏:‏

تأخر، ولا إشكال في جوازه‏.‏

وتقدم على الجملة نحو‏:‏ ‏"‏قائمًا زيدٌ في الدار‏"‏ ‏"‏وهو‏"‏ لا يجوز‏,‏ قال في شرح الكافية‏:‏ بإجماع تبعا لابن ظاهر‏.‏

وأجاز الأخفش في قولهم‏:‏ ‏"‏فداء لك أبي وأمي‏"‏ أن يكون فداء حالا، والعامل ‏"‏فيه‏"‏ لك‏.‏

وأجاز ابن برهان ‏"‏التقديم‏"‏ إن كانت الحال ظرفا‏,‏ قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ‏}‏ ‏"‏هنالك‏"‏ ظرف في موضع الحال‏,‏ و‏"‏الولاية‏"‏ مبتدأ والخبر ‏"‏لله‏"‏‏,‏ وهو عامل في ‏"‏هنالك‏"‏‏.‏

وتوسط‏,‏ وله صورتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن تكون بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر نحو‏:‏ ‏"‏في الدار قائما زيد‏"‏‏,‏ ولا خلاف في جوازها‏.‏

والأخرى‏:‏ بالعكس‏,‏ وهي المشار إليها بقوله‏:‏

نحو‏:‏ سعيدٌ مستقرًّا في هَجَرْ

وفيها مذاهب‏:‏

المنع مطلقا، وبه قال جمهور البصريين‏.‏

والجواز مطلقا، وإليه ذهب الفراء والأخفش في أحد قوليه‏.‏

والجواز بقوة إن ‏"‏كانت‏"‏ الحال ظرفا أو حرف جر، ويضعف إن كانت غيرهما وهو مذهب في التسهيل‏.‏

والجواز إن كانت من مضمر‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏أنت قائما في الدار‏"‏ وهو مذهب الكوفيين‏.‏ فهذه أربعة مذاهب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ندر‏"‏ ظاهره ‏"‏مما‏"‏ لا يقاس عليه‏.‏ وصرح الشارح بذلك فقال‏:‏ و‏"‏ما‏"‏ جاء منه مسموعا حفظ‏,‏ ‏"‏ولا يقاس‏"‏ عليه هـ‏.‏ وهو خلاف ما ذهب إليه في التسهيل‏.‏

واستدل المجيز بقراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏والسمواتُ مطوياتٍ بيمينه‏"‏‏.‏

‏"‏وقول‏"‏ ابن عباس‏:‏ نزلت عليه الآية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواريًا بمكة‏.‏ وبأبيات منها قول النابغة‏:‏

رهط ابن كوز مُحْقِبي أدراعهم‏.‏‏.‏‏.‏ فيهم ورهط ربيعة بن حُذَار

وتأويل المانع وليس هذا موضع بسطه‏.‏ ثم قال‏:‏

ونحو‏:‏

زيد مفردًا أنفع من‏.‏‏.‏‏.‏ عمرو مُعَانًا مستجازٌ لن يَهِن

لما كان لأفعل التفضيل مزية على الجامد بتضمن حروف الفعل رجع عليه فاغتفر ‏"‏توسطه‏"‏ بين حالين نحو‏:‏ ‏"‏زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا‏"‏؛ فمفردا حال من الضمير المستكن في ‏"‏أنفع‏"‏ و‏"‏معانا‏"‏ حال من ‏"‏عمرو‏"‏‏,‏ والعامل فيهما ‏"‏أنفع‏"‏ على المختار، وهو سيبويه والمازني وطائفة‏.‏

ثم قال‏:‏

والحال قد يجيء ذا تعدُّد‏.‏‏.‏‏.‏ لمفرد -فاعلم- وغير مفرد

فهاتان صورتان‏:‏

مثال الأولى‏:‏ ‏"‏جاء زيدٌ راكبًا مسرعًا‏"‏‏,‏ فهما حالان من ‏"‏زيد‏"‏ خلافا لابن عصفور في منعه تعدد الحال في هذا النحو‏,‏ ما لم يكن العامل أفعل التفضيل‏.‏

ونقل المنع عن الفارسي وجماعة؛ ‏"‏فمسرعا‏"‏ في المثال عندهم نعت لراكب‏,‏ أو حال من الضمير في ‏"‏راكب‏"‏‏.‏

والثانية‏:‏ قد يكون بجمع نحو‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ‏}‏ ‏,‏ وقد تكون بتفريق، وله طريقان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن تولي كل حال صاحبه نحو‏:‏ ‏"‏لقيت مصعدا زيدا منحدرا‏"‏ ‏"‏ولا إشكال فيها‏"‏‏.‏

‏"‏والأخرى‏:‏ أن تؤخرهما نحو‏:‏ ‏"‏لقيت زيدا مصعدا منحدرا‏"‏‏"‏‏.‏

فإن لم تكن قرينة تعين‏,‏ جعل الأولى للثاني ‏"‏والثانية‏"‏ للأول، لتتصل إحداهما ‏"‏بصاحبه‏"‏ خلافا لمن عكس‏.‏

وإن وجدت قرينة عمل بها، نحو‏:‏

خرجت بها أمشي تجر وراءنا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وعامل الحال بها قد أكدا

الحال نوعان‏:‏

مُبَيِّنة ومؤكدة خلافا للفراء والمبرد والسهيلي في إنكار المؤكدة‏.‏

ثم المؤكدة ضربان‏:‏

مؤكدة لعاملها، ومؤكدة لمضمون الجملة‏.‏

المؤكدة لعاملها‏:‏ قد توافقه معنى لا لفظا، وهو الغالب نحو‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏‏.‏

وقد توافقه معنى ولفظا، وهو قليل، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا‏}‏ ‏,‏ والمؤكدة لمضمون جملة‏:‏ شرطها أن تدل على معنى لازم أو شبيه باللازم في تقدم العلم به بعد جملة جزآها معرفتان جامدان جمودا محضا نحو قوله‏:‏

أنا ابن دارةَ معروفًا بها نَسَبِي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق في قوله‏:‏ ‏"‏وإن تُؤَكِّد جملة‏"‏ ولم يشترط تعريف جزأيها ولا جمودها، قلت‏:‏ أما اشتراط التعريف فقد يفهم من تسميتها مؤكدة؛ لأنها إنما تؤكد شيئا قد عرف‏.‏

وأما اشتراط الجمود‏,‏ فمن قوله‏:‏ ‏"‏وإن تؤكد جملة‏"‏‏.‏

لأنه إذا كان أحد الجزأين مشتقا أو في حكمه كان عاملا فيها، وكانت مؤكدة لعاملها لا لمضمون جملة‏.‏

ولذلك جعل في شرح التسهيل قولهم‏:‏ ‏"‏زيد أبوك عطوفًا‏"‏ و‏"‏هو الحق بَيِّنًا‏"‏ من قِبَل المؤكدة لعاملها، ‏"‏وهي‏"‏ موافقة معنى لا لفظا‏.‏

قال‏:‏ لأن ‏"‏الأب والحق‏"‏ صالحان للعمل‏.‏

وقوله‏:‏ فمضمر عاملها‏.‏

يعني‏:‏ بعد الجملة وتقديره‏:‏ ‏"‏أحقه وأعرفه‏"‏ إن كان المخبر عنه غير ‏"‏أنا‏"‏‏,‏ وإن كان أنا فالتقدير‏:‏ ‏"‏أحق أو أعرف أو اعرفني‏"‏‏.‏

وكون عاملها مقدرا هو الصحيح وهو مذهب سيبويه‏,‏ خلافا للزجاج في جعله عاملها هو الخبر مؤولا بمسمى‏.‏

وخلافا لابن خروف في جعله عاملها هو المبتدأ مضمنا تنبيها‏.‏

فإن قلت‏:‏ ‏"‏هل‏"‏ إضمار عاملها واجب أو جائز‏؟‏

قلت‏:‏ بل واجب، ويؤخذ ذلك من جزمه بالإضمار‏.‏

وقوله‏:‏ ولفظها يُؤخَّر يعني‏:‏ أنه لا يجوز تقديمها على الجملة، ولا على أحد جزأيها لشبهها بالتوكيد، ولأنهم تجوّزوا حذف عاملها، فلا يضم إليه تجوز آخر بالتقديم‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد تقدم أن الحال نوعان‏:‏ مبينة ومؤكدة‏.‏

وقد ذكر النحويون أنواعا أُخَر، وهي المستصحبة نحو‏:‏ ‏"‏هذا زيدٌ راكبًا‏"‏، والمحكية نحو‏:‏ ‏"‏رأيت زيدا أمس ضاحكًا‏"‏، والمقدرة نحو‏:‏ ‏"‏مررت برجل معه صقرٌ صائدًا به غدا‏"‏‏,‏ والموطئة نحو‏:‏ ‏{‏لِسَانًا عَرَبِيًّا‏}‏‏.‏

قلت‏:‏ لا تستخرج هذه عن النوعين السابقين‏.‏

ولما كان أصل الحال الإفراد‏,‏ نبه على أنها قد تكون جملة بقوله‏:‏

وموضع الحال تجيء جمله

ولوقوع الجملة مواقع الحال‏,‏ شرطان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تكون خبرية‏.‏ فإن وقعت طلبية قدر القول كما في النعت‏,‏ كقول أبي الدرداء‏:‏ ‏"‏وجدت الناس أخبر تَقله‏"‏ أي‏:‏ ‏"‏مقولا‏"‏ فيهم‏:‏ أخبر تقله، وفي البسيط جوز الفراء وقوع الأمر ونحوه حالا‏.‏

والآخر‏:‏ ألا تكون مفتتحة بدليل استقبال ‏"‏كلن وحرف التنفيس‏"‏‏.‏ ثم مثّل فقال‏:‏

كجاء زيد وهو ناوٍ رحله

وهذا مثال مجمع على جوازه‏,‏ ثم شرع في التفصيل فقال‏:‏

وذات بدء بمضارع ثبت‏.‏‏.‏‏.‏ حوت ضمير ومن الواو خلت

يعني‏:‏ أن الجملة الحالية إذا صدرت بمضارع مثبت‏,‏ وجب حينئذ اشتمالها على ضمير صاحب الحال، وخلوها من الواو نحو‏:‏ ‏"‏جاء زيد يضحك‏"‏‏,‏ ولا يجوز‏:‏ ‏"‏ويضحك‏"‏؛ لأن المضارع مشابه للاسم‏,‏ فلا تدخل عليه الواو كما لا تدخل على الاسم‏.‏

تنبيه‏:‏

ويشترط في خلوه من الواو مع الإثبات شرط آخر‏,‏ وهو أن يعرى من ‏"‏قد‏"‏ -ذكره في التسهيل- فإن قرن بها‏:‏

قال الشارح‏:‏ لزمته الواو نحو‏:‏ ‏{‏وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وذات واو بعدها انْوِ مبتدا‏.‏‏.‏‏.‏ له المضارع اجعَلَنَّ مسندا

يعني‏:‏ أن الجملة المصدرة بالمضارع المثبت العاري من ‏"‏قد‏"‏ إذا وردت بالواو نوى الأصح بعدها، أي‏:‏ بعد الواو، مبتدأ، وجعل المضارع خبرا عنه؛ لتصير جملة اسمية كقولهم‏:‏ ‏"‏قمتُ وأصكُّ عينَهُ‏"‏ أي‏:‏ وأنا أصك‏.‏

ثم قال‏:‏

وجملة الحال سوى ما قُدِّما‏.‏‏.‏‏.‏ بواو أو بمضمر أو بهما

الذي قدم هو الجملة الفعلية المصدرة ‏"‏بالفعل‏"‏ المضارع المثبت ‏"‏ ‏"‏وسوى ما‏"‏ يشمل‏"‏ الجملة الاسمية، مثبتة أو منفية، والفعلية المصدرة بالمضارع المنفي‏,‏ وبالماضي مثبتا ومنفيا‏.‏

ومقتضى قوله‏:‏

بواو أو بمضمر أو بهما

جاز الأوجه الثلاثة في ذلك كله، وليس على إطلاقه فلا بد من بيانه‏.‏ أما الجملة الاسمية، فإن كانت مؤكدة لزم فيها الضمير، والخلو من الواو نحو‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ‏}‏ وكذا إن عطفت على حال كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ‏}‏ وإن كانت غير مؤكدة، ولا معطوفة جازت الأوجه الثلاثة‏.‏

إلا أن الأكثر مجيئها بالواو مع الضمير، وأقل منه انفراد الواو، وأقل منه انفراد الضمير‏.‏ وليس انفراد الضمير مع قلته بنادر خلافا للزمخشري، وقبله الفراء بل هو فصيح‏.‏

وجعل في الكشاف قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ ‏{‏لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ‏}‏ في موضع النصب على الحال‏.‏

وأما المصدَّرة بالمضارع المنفي، فإن كان النافي ‏"‏لا‏"‏ فهو كالمثبت في لزوم الضمير‏,‏ والتجرد عن الواو‏.‏

فإن ورد بالواو قدر المبتدأ على الأصح، كقراءة ابن ذكوان‏:‏ ‏"‏فاستقيما ولا تَتَّبِعَانِ‏"‏ ‏"‏نص‏"‏ على ذلك في التسهيل‏.‏

وقول الشارح‏:‏ ‏"‏وقد تجيء بالضمير واو‏"‏ هـ‏,‏ ظاهره عدم التأويل‏.‏

وإن كان النافي غير ‏"‏لا‏"‏ جاءت الأوجه الثلاثة، والمسموع من ذلك‏:‏ ‏"‏لم ولما وما‏"‏‏,‏ والقياس يقتضي ‏"‏إلحاق‏"‏ إن ‏"‏بما‏"‏، وأما ‏"‏لن‏"‏ فلا مدخل لها هنا‏.‏

وذكر في التسهيل أن المضارع المنفي ‏"‏بما‏"‏ لا تغني فيه الواو عن الضمير‏,‏ وفي كلام غيره التمثيل ‏"‏بجاء زيد‏,‏ وما تطلع الشمس‏"‏‏.‏

وأما المصدرة بالماضي المثبت، فإن كان تاليا ‏"‏لإلا‏"‏ نحو‏:‏ ‏{‏إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏‏.‏

أو متلوًّا ‏"‏بأو‏"‏ نحو‏:‏

كن للخليل نصيرا جارَ أو عَدَلا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أو أصله الشرط نحو‏:‏ ‏"‏لأضربَنَّ زيدا ذَهَبَ أو مَكَثَ‏"‏‏,‏ لزم الضمير والخلو عن الواو، وامتنع دخول قد‏.‏

وقوله‏:‏

متى يأتِ هذا الموت لا يُلْفِ حاجة‏.‏‏.‏‏.‏ لنفسي إلا قد قضيتُ قضاءَهَا

نادر‏.‏

‏"‏أو‏"‏ كانت الحال مؤكدة‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏أبو بكر الخليفة قد علمه الناس‏"‏ تركت الواو أيضا‏.‏

وإن كان غير ذلك‏,‏ جازت الأوجه الثلاثة‏.‏

فإن انفرد الواو‏,‏ لزمته ‏"‏قد‏"‏ نحو‏:‏

فجئت وقد نَضَّت لنوم ثيابها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وإن انفرد الضمير أو اجتمعا‏,‏ جاز إثبات ‏"‏قد‏"‏ وحذفها فهي أربع صور‏,‏ وترتيبها في الكثرة‏:‏ ‏"‏جاء زيد وقد قام أبوه‏"‏ ثم‏:‏ ‏"‏جاء زيد قام أبوه‏"‏ ثم‏:‏ ‏"‏جاء زيد قد قام أبوه‏"‏ ثم‏:‏ ‏"‏جاء زيد وقام أبوه‏"‏‏.‏

وجعل الشارح الثالثة أقل من الرابعة، وهو خلاف ما في التسهيل‏.‏

وذهب قوم؛ منهم الفراء، والمبرد، وأبو علي، إلى اشتراط ‏"‏قد‏"‏ مع الماضي ظاهرة أو مقدرة، والمختار أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لكثرة ما ورد من ذلك‏.‏

وأما المصدرة بالماضي المنفي‏,‏ فيجوز فيها الأوجه الثلاثة‏.‏

وقد تركت تمثيل ‏"‏أكثر‏"‏ هذه المسائل لوضوحها‏,‏ وخشية الإطالة‏.‏

ثم قال‏:‏

والحال قد يُحذَف ما فيها عَمِل‏.‏‏.‏‏.‏ وبعض ما يُحذَف ذكره حُظِل

يعني‏:‏ أن عامل الحال قد يحذف، وحذفه على ضربين‏:‏ جائز وواجب‏.‏ فالجائز‏:‏ ما حذف لحضور معناه كقولك للراحل‏:‏ ‏"‏راشدًا مهديًّا‏"‏‏,‏ أو لتقدم ذكره من استفهام أو غيره كقولك‏:‏ راكبا‏,‏ لمن قال‏:‏ كيف جئتَ‏؟‏

الواجب‏:‏ إذا جرت مثلا كقولهم‏:‏

‏"‏حَظِيِّين بَنَاتٍ صَلِفِينَ كَنَّاتٍ‏"‏ أي‏:‏ عرفتهم‏.‏

أو بينت ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا‏,‏ مقرونة بالفاء أو بثم‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏بعته بدرهم فصاعدا‏"‏ أي‏:‏ فذهب الثمن صاعدا‏.‏

أو نابت عن خبر نحو‏:‏ ‏"‏ضربي زيدًا قائمًا‏"‏‏,‏ أو وقعت بدلا من اللفظ بالفعل نحو‏:‏ ‏"‏أتميميا مرة وقيسيا أخرى‏؟‏‏"‏‏.‏

وإلى هذه المواضع أشار بقوله‏:‏

وبعض ما يحذف ذكره حظل

‏"‏أي‏:‏ منع‏"‏ ‏"‏والله أعلم‏"‏‏.‏